فصل: قال السمرقندي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (53)}
إذا أَنْعَمَ الحقُّ- سبحانه- على قوم نِعمةً وأراد إمهالهم أكرمهم بتوفيق الشكر، فإذا شكروا نعمته فبقدر الشكر دامت فيهم.
وإذا أراد- سبحانه- إزالةَ نعمةٍ عن عبدٍ أَذَلَّه بخذلان الكفر، فإذا حَالَ عن طريق الشكر عرَّض النِّعمة للزوال. فما دام العبدُ يشكر النعمة مقيمًا كان الحقُّ في إنعامه عليه مُديمًا، فإذا قابل النعمة بالكفر انتثر سِلْكُ نظامه، فبقدر ما يزيد في إصراره يزول الأمر عن قراره. اهـ.

.قال صاحب روح البيان:

قال الإمام الغزالي قدس سره:
إن النعمة إنما تسلب ممن لا يعرف قدرها وأقنع في هذا الباب بمثال ملك يكرم عبدًا له فيخلع عليه خاصة ثيابه ويقربه منه ويجعله فوق سائر حجابه وخدامه ويأمره بملازمة بابه ثم يأمر أن يبتنى له في موضع آخر القصور وتوضع له الأسرة وتنصب له الموائد وتزين له الجواري ويقام له الغلمان حتى إذا رجع من الخدمة أجلس هنالك ملكًا مخدومًا مكرّمًا وما بين حال خدمته إلى ملكه وولايته إلا ساعة من نهار أو أقل فإن أبصر هذا العبد بجانب باب الملك سائسًا للدواب يأكل رغيفًا أو كلبًا يمضع عظمًا فجعل يشتغل عن خدمة الملك بنظره إليه وإقباله عليه ولا يلتفت إلى ما له من الخلع والكرامة فيسعى إلى ذلك السائس ويمد يده ويسأله كسرة من رغيفه أو يزاحم الكلب على العظم ويعظمهما ويعظم ما هما فيه أليس الملك إذا نظر إليه على مثل هذه الحالة، يقول هذا السفيه لم يعرف حق كرامتنا ولم ير قدر إعزازنا إياه بخلعنا والتقرب إلى حضرتنا مع صرفنا إليه من عنايتنا وأمرنا له من الذخائر وضروب الأيادي ما هذا إلا ساقط عظيم الجهل قليل التمييز اسلبوه الخلع واطردوه عن بابنا، فهذا حال العالم إذا مال إلى الدنيا والعابد إذا اتبع الهوى فعليك أيها الرجل ببذل المجهود حتى تعرف نعم الله تعالى عليك واحذر من أن تكون النعمة نقمة والولاء بلاء والعز ذلًا والإقبال إدبارًا واليمين يسارًا فإن الله تعالى غيور. اهـ.

.تفسير الآية رقم (54):

قوله تعالى: {كَدَأْبِ آَلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كَانُوا ظَالِمِينَ (54)}

.من أقوال المفسرين:

.قال البقاعي:

ثم كرر قوله: {كدأب آل فرعون} أي فرعون وقومه فإنهم أتباعه فلا يخيل انهم يفعلون شيئًا إلا وهو قائدهم فيه {والذين من قبلهم}- لدقيقة، وهي أنه قد تقدم أنه ما من أمة إلا ابتليت بالضراء والسراء، فالأولى ينظر إليها مقام الإلهية الناظر إلى العظمة والكبرياء والقهر والانتقام، والثانية ثمرة مقام الربوبية الناشيء عنه التودد والرحمة والرأفة والإكرام، لذا عبر في الأولى باسم الذات الجامع لجميع الصفات الذي لفظه- عند من يقول باشتقاقه- موضوع لمعنى الإلهية إشارة إلى أنهم أعرضوا في حال الضراء عن التصديق وعاملوا بالتجلد والإصرار، ولذا عبر في هذه الثانية باسم الرب فقال: {كذبوا} أي عنادًا زيادة على تغطية ما دل عليه العقل بالتكذيب بالنقل {بآيات ربهم} فأشار بذلك إلى بطرهم بالنعم وتكذيبهم أنها بسبب دعاء الرسل.
ولما أشار بالتعبير به إلى أنه غرهم معاملته بالعطف والإحسان، قال: {فأهلكناهم} أي جميعًا {بذنوبهم وأغرقنا} فأتى بنون العظمه إشارة إلى أنه أتاهم بما أنساهم ذلك البر {آل فرعون} وإشارة إلى أنهم نسوا أن الرب كما أنه يتصف بالرحمة فلابد أن يتصف بالعظمة والنقمة وإلا لم تتم ربوبيته، وهذا واضح مما تقدم في الأعراف عن التوراة في شرح {فأرسلنا عليهم الطوفان} [الأعراف: 133]- إلى آخرها، من أن فرعون كان يسأل موسى عليه السلام عند كل نازلة الدعاء برفعها معتلًا بأن الرب ذو حلم وأناة ورحمة، وقدم الأولى إشارة إلى أنهم بلغوا الغاية في الجرأة، والتعبير فيها ب {كفروا} يؤيد لذلك، أي أن مجرد الستر للآيات بالإعراض عنها كافٍ في إيجاب الانتقام ولو لم يصرح بتكذيب لعظم المقام، ومادة كفر- بأيّ ترتيبة كان- تدور على الخلطة المميلة المحيلة، وبخصوص هذا الترتيب تدور على الستر، أي غطوا التصديق بآيات ربهم، ويجوز- وهوالأحسن- أن يكون دورانها- مطلقًا لا بقيد ترتيب- على الفكر، وهو إرسال عين البصيرة في طلب أمر ويلزمه الكشف والستر لأنه تارة يرفع أذيال الشبه عن ذلك الأمر فينجلي ويتحقق، وتارة يسلط قواطع الأدلة عليه فينعدم ويتمحق، وربما أرخى أذيال الشبه عليه فأخفى بعد أن كان جليًا كما كان شمرها عنه فألقى وقد كان خفيًا.
ولما أخبر سبحانه بهلاكهم، أخبر بالوصف الجامع لهم بالهلاك فقال: {وكل} أي من هؤلاء ومن تقدمهم من آل فرعون ومن قبلهم: {كانوا} أي جبلة وطبعًا {ظالمين} أي لأنفسهم وغيرهم واضعين الآيات في غير مواضعها وهم يظنون بأنفسهم العدل. اهـ.

.قال الفخر:

إنه تعالى ذكر مرة أخرى قوله تعالى: {كَدَأْبِ ءالِ فِرْعَوْنَ} ذكروا فيه وجوهًا كثيرة: الأول: أن الكلام الثاني يجري مجرى التفصيل للكلام الأول، لأن الكلام الأول فيه ذكر أخذهم، وفي الثاني ذكر إغراقهم وذلك تفصيل.
والثاني: أنه أريد بالأول ما نزل بهم من العقوبة في حال الموت، وبالثاني ما ينزل بهم في القبر في الآخرة.
الثالث: أن الكلام الأول هو قوله: {كَفَرُواْ بآيات الله} والكلام الثاني هو قوله: {كَذَّبُواْ بآيات رَبّهِمْ} فالأول إشارة إلى أنهم أنكروا الدلائل الإلهية، والثاني إشارة إلى أنه سبحانه رباهم وأنعم عليهم بالوجوه الكثيرة، فأنكروا دلائل التربية والإحسان مع كثرتها وتواليها عليهم، فكان الأثر اللازم من الأول هو الأخذ والأثر اللازم من الثاني هو الإهلاك والإغراق، وذلك يدل على أن لكفران النعمة أثرًا عظيمًا في حصول الهلاك والبوار، ثم ختم تعالى الكلام بقوله: {وَكُلٌّ كَانُواْ ظالمين} والمراد منه أنهم كانوا ظالمي أنفسهم بالكفر والمعصية، وظالمي سائر الناس بسبب الإيذاء والإيحاش، وأن الله تعالى إنما هلكهم بسبب ظلمهم، وأقول في هذا المقام اللهم أهلك الظالمين وطهر وجه الأرض منهم فقد عظمت فتنتهم وكثر شرهم، ولا يقدر أحد على دفعهم إلا أنت، فادفع يا قهار يا جبار يا منتقم. اهـ.

.قال السمرقندي:

ثم قال: {كَدَأْبِ ءالِ فِرْعَوْنَ} في الهلاك.
{والذين مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُواْ بآيات رَبّهِمْ فأهلكناهم بِذُنُوبِهِمْ}، يعني بكفرهم، {وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ}؛ يعني فرعون لادعائه الربوبية، وآله لأنهم عبدوا غيري.
{وَكُلٌّ كَانُواْ ظالمين}، يعني مشركين.
ومعناه كصنيع آل فرعون، قد أعطاه الله تعالى الملك والعز في الدنيا، ولم يغير عليه تلك النعمة، حتى كذب بآيات الله، فغيَّر الله عليه النعمة وأهلكه مع قومه. اهـ.

.قال الثعلبي:

{كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ والذين مِن قَبْلِهِمْ}
من كفار الامم {كَذَّبُواْ بآيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ} بعضًا بالرجفة وبعضًا بالخسف وبعضًا بالمسخ وبعضًا بالحصى وبعضًا بالماء، فكذلك أهلكنا كفار مكة بالسيف والذل {وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَونَ وَكُلٌّ كَانُواْ ظَالِمِينَ}. اهـ.

.قال ابن عطية:

قوله: {كدأب آل فرعون} الآية.
الكاف من {كدأب} في هذه الآية متعلقة بقوله: {حتى يغيروا}، وهذا التكرير هو لمعنى ليس للأول، إذ الأول دأب في أن هلكوا الآية الأولى، والإشارة بقوله: {الذين من قبلهم} إلى قوم هود وصالح ونوح وشعيب وغيرهم. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {كدأب آل فرعون والذين من قبلهم}
أي: كذَّب أهل مكة بمحمد والقرآن، كما كذب آل فرعون بموسى والتوراة، وكذَّب مَنْ قبلهم بأنبيائهم.
قال مكي بن أبي طالب: الكاف من {كدأب} في موضع نصب، نعت لمحذوف تقديره: غيَّرنا بهم لما غيروا تغييرًا مثل عادتنا في آل فرعون، ومثلها الآية الأولى، إلا أن الأولى للعادة في العذاب؛ تقديره: فعلنا بهم ذلك فعلًا مثل عادتنا في آل فرعون.
قوله تعالى: {فأهلكناهم} يعني: الأمم المتقدمة، بعضهم بالرجفة، وبعضهم بالريح، فكذلك أهلكنا كفار مكة ببدر.
وقال بعضهم: يعني بقوله: {فأهلكناهم} الذين أُهلكوا ببدر. اهـ.

.قال القرطبي:

{كَدَأْبِ آَلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ}
ليس هذا بتكرير؛ لأن الأول للعادة في التكذيب، والثاني للعادة في التغيير، وباقي الآية بيناه.

.قال الخازن:

{كدأب آل فرعون} يعني أن هؤلاء الكفار الذين قتلوا يوم بدر غيروا نعمة الله عليهم كصنيع آل فرعون {والذين من قبلهم كذبوا بآيات ربهم فأهلكناهم بذنوبهم} يعني: أهلكنا بعضهم بالرجفة وبعضهم بالخسف وبعضهم بالحجارة وبعضهم بالريح وبعضهم بالمسخ فكذلك أهكلنا كفار قريش بالسيف {وأغرقنا آل فرعون وكل كانوا ظالمين} يعني الأولين والآخرين، فإن قلت ما الفائدة في تكرير هذه الآية مرة ثانية؟.
قلت: فيها فوائد منها الكلام الثاني يجري مجرى التفصيل للكلام الأول لأن الآية الأولى فيها ذكر أخذهم، وفي الآية الثانية ذكر إغراقهم، فهذه تفسير للأولى.
الفائدة الثانية: أنه ذكر في الآية الأولى أنهم كفروا بآيات الله وفي الآية الثانية أنهم كذبوا بآيات ربهم ففي الآية الأولى إشارة إلى أنهم أنكروا آيات الله وجحدوها، وفي الآية الثانية إشارة إلى أنهم كذبوا بها مع جحودهم لها وكفرهم بها.
الفائدة الثالثة: أن تكرير هذه القصة للتأكيد وفي قوله: {كذبوا بآيات ربهم} زيادة دلالة على كفران النعم وجحود الحق وفي ذكر الإغراق بيان للأخذ بالذنوب. اهـ.

.قال أبو حيان:

{كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذّبوا بآيات ربهم فأهلكناهم بذنوبهم وأغرقنا آل فرعون وكل كانوا ظالمين}
قال قوم: هذا التكرير للتأكيد، وقال ابن عطية: هذا التكرير لمعنى ليس للأوّل أو الأوّل أو الأوّل دأب في أنْ هلكوا لما كفروا وهذا الثاني دأب في أن لم يغير نعمتهم حتى يغيّروا ما بأنفسهم انتهى، وقال قوم: كرّر لوجوه منها أن الثاني جرى مجرى التفصيل للأول لأنّ في ذلك ذكر إجرامهم وفي هذا ذكر إغراقهم وأُريد بالأول ما نزل بهم من العقوبة حال الموت وبالثاني ما نزل بهم من العذاب في الآخرة وفي الأوّل {بآيات الله} إشارة إلى إنكار دلائل الإلهية وفي الثاني {بآيات ربهم} إشارة إلى إنكار نعم من ربّاهم ودلائل تربيته وإحسانه علي كثرتها وتواليها وفي الأوّل اللام منه الأخذ، وفي الثاني اللازم منه الهلاك والإغراق، وقال الزمخشري في قوله تعالى: {بآيات ربهم} زيادة دلالة على كفران النعم وجحود الحقّ وفي ذكر الإغراق بيان للأخذ بالذنوب، وقال الكرماني يحتمل أن يكون الضمير في الآية الأولى في {كفروا} عائدًا على قريش وفي الأخيرة في {كذّبوا} عائد على {آل فرعون والذين من قبلهم} انتهى.
وقيل فأهلكناهم هم الذين أهلكوا يوم بدر فيلزم من هذا القول أن يكون كذّبوا عائدًا على كفار قريش، وقال التبريزي {فأهلكناهم} قوم نوح بالطّوفان وعادا بالريح وثمودًا بالصّيحة وقوم لوط بالخسف، وفرعون وآله بالغرق، وقوم شعيب بالظلّة، وقوم داود بالمسخ وأهلك قريشًا وغيرها بعضهم بالفزغ وبعضهم بالسيف وبعضهم بالعدسة كأبي لهب، وبعضهم بالغدة كعامر بن الطّفيل، وبعضهم بالصاعقة كأويد بن قيس انتهى، فيظهر من هذه الكلام أن الضمير في {كذّبوا} و{أهلكناهم} عائد على المشبه والمشبه به في {كدأب} إذ عمّ الضمير القبيلتين وإنما خصّ {آل فرعون} بالذكر وذكر الذي أهلكوا به وهو إغراقهم لأنه انضم إلى كفرهم دعوى الإلهية والرّبوبية لغير الله تعالى فكان ذلك أشنع الكفر وأفظعه ومراعاة لفظ كلّ إذا حذف ما أضيف إليه ومعناه جائزة واختير هنا مراعاة المعنى لأجل الفواصل إذ لو كان التركيب وكلّ كان ظالمًا لم يقع فاصلة، وقال الزمخشري {وكلهم} من غرقى القبط وقتلى قريش {كانوا ظالمين} أنفسهم بالكفر والمعاصي انتهى، ولا يظهر تخصيص الزمخشري كلًا بغرقى القبط وقتلى قريش إذ الضمير في {كذبوا} وفي {فأهلكناهم} لا يختصّ بهما فالذي يظهر عموم المشبه به وهم آل فرعون والذين من قبلهم أو عموم المشبّه والمشبّه بهم. اهـ.